الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.خبر يزيد بن المهلب وإخوته. كان الحجاج قد حبس يزيد وإخوته سنة ست وثمانين وعزل حبيب بن المهلب عن كرمان فأقاموا في محبسهم إلى سنة تسعين وبلغه أن الأكراد غلبوا على فارس فعسكر قريبا من البصرة للبعث وأخرج معه بني المهلب وجعلهم في فسطاط قريبا منه ورتب عليهم الحرس من أهل الشام ثم طلب منهم ستة آلاف ألف وأمر بعذابهم وبكت أختهم هند بنت المهلب زوجة الحجاج فطلقها ثم كف عنهم وجعل يستأدبهم وبعثوا إلى أخيهم مروان وكان على البصرة أن يعد لهم خيلا وكان حبيب منهم يعذب بالبصرة فصنع يزيد للحرس طعاما كثيرا وأمر لهم بشراب فأقاموا يتعاقرون واستغفلهم يزيد والمفضل وعبد الملك وخرجوا ولم يفطنوا لهم ورفع الحرس خبرهم إلى الحجاج فخشيهم على خراسان وبعث البريد إلى قتيبة يخبرهم ليحذرهم وكان يزيد قد ركب السفن إلى البطائح واستقبلته الخيل المعدة له هناك وساروا إلى الشام على السماوة ومعهم دليل من كلب ونمى خبرهم إلى الحجاج فبعث إلى الوليد بذلك وقدموا إلى فلسطين فنزلوا على وهيب بن عبد الرحمن الأزدي وكان كريما على سليمان فأخبره بحالهم وأنهم استجاروا به من الحجاج فقال: إئتني بهم فقد أجرتهم وكتب الحجاج إلى الوليد أن بني المهلب خانوا مال الله وهربوا مني فلحقوا بسليمان فسكن مابه لأنه كان خشيهم على خراسان كما خشيهم الحجاج وكان غضبا للمال الذي ذهبوا به فكتب سليمان إلى الوليد أن يزيد عندي وقد أمنته وكان الحجاج أغرمه ستة آلاف ألف فأد نصفها وأنا أؤدي النصف فكتب الوليد لا أؤمنه حتى تبعث به فكتب سليمان لأجيئن معه فكتب الوليد إذن لا أؤمنه فقال يزيد لسليمان: لا يتشاءم الناس بي لكما فاكتب معي وتلطف ما أطقت فأرسله وأرسل معه ابنه أيوب وكان الوليد أمر أن يبعث مقيدا فقال سليمان لابنه: أدخل على عمك أنت ويزيد في سلسلة فقال: الوليد لما رأى ذلك لقد بلغنا من سليمان ثم دفع أيوب كتاب أبيع بالشفاعة وضمان المال عن يزيد فقرأه الوليد واستعطفه أيوب في ذمة أبيه وجواره وتكلم يزيد واعتذر فأمنه الوليد ورجع إلى سليمان وكتب الوليد إلى الحجاج بالكف عنهم فكف عن حبيب وأبي عبسة وكانا عنده وأقام يزيد عند سليمان يهدي إليه الهدايا ويصنع له الأطعمة..ولاية خالد القسري على مكة وإخراج سعيد بن جبير عنها ومقتله. ولما كان في سنة ثلاث وتسعين كتب عمر بن عبد العزيز إلى الوليد يقص عليه أفعال الحجاج بالعراق وما هم فيه من ظلمه وعدوانه فبلغ بذلك الحجاج فكتب إلى الوليد: إن كثيرا من المراق وأهل الشقاق قد انجلوا عن العراق ولحقوا بالمدينة ومكة ومنعهم عمر وأصابه من ذلك وهن فولى الوليد على مكة خالد الله عبد الله القسري وعثمان بن حيان بإشارة الحجاج وعزل عمر عن الحجاز وذلك في شعبان من السنة ولما قدم خالد مكة أخرج من كان بها من أهل العراق كرها وتهدد من أنزل عراقيا أو أجره دارا وكانوا أيام عمر الله عبد العزيز يلجأ إلى مكة والمدينة كل من خلف الحجاج فيأمن وكان منهم سعيد بن جبير هاربا من الحجاج كان قد جعله على عطاء الجند الذين وجههم مع عبد الرحمن بن الأشعث إلى قتال رتبيل فلما خرج عبد الرحمن كان سعيد فيمن خلع فكان معه إلى أن هزم وسار إلى بلاد رتبيل فلحق سعيد بأصبهان وكتب الحجاج فيه إلى عاملها فتحرج من ذلك ودس إلى سعيد فسار إلى أذربيجان ثم طال عليه المقام فخرج إلى مكة فكان بها مع ناس أمثاله من طلبة الحجاج يستخفون بأسمائهم فلما قدم خالد بن عبد الله مكة أمره الوليد بحمل أهل العراق إلى الحجاج فأخذ سعيد بن جبير ومجاهدا وطلق بن حبيب وبعث بهم إلى الحجاج فمات طلق في الطريق وجيء بلآخرين إلى الكوفة وأدخلا على الحجاج فلما رأى سعيدا شتم خالدا القسري على إرساله وقال: لقد كنت أعرف أنه بمكة وأعرف البيت الذي كان فيه ثم أقبل على سعيد وقال: لقد ألم أشركك في أمانتي؟ ألم أستعملك؟ ثم تفعل بعدد أياديه عنده فقال: بلى! قال: فما أخرجك على قتالي؟ أنا امرؤ من المسلمين أخطئ مرة وأصيب أخرى ثم استمر في محاوراه فقال: إنما كانت البيعة في عنقي فغضب الحجاج وقال: ألم آخذ بيعتك لعبد الملك بمكة بعد مقتل ابن الزبير؟ ثم جددت له البيعة بالكوفة فأخذت بيعتك ثانيا؟ قال: بلى! قال: فنكثت بيعتين لأمير المؤمنين وتوفي بواحدة للفاعل بن الفاعل والله لأقتلنك فقال: إني لسعيد كما سمتني أمي فضربت عنقه فهلل رأسه ثلاثا أفصح منها بمرة ويقال: إن عقل الحجاج التبس يومئذ وجعل يقول: قيودنا قيودنا فظنوها قيود سعيد بن جبير فأخذوها من رجليه وقطعوا عليها ساقيه وكان إذا نام يرى سعيد بن جبير في منامه آخذا بمجامع ثوبه يقول: يا عدو الله فيم قتلتني؟ فينتبه مرعوبا يقول: ما لي ولـ سعيد بن جبير.
|